جدتي هي امي الارض ...
حين تندمج كفات سواعدها بتراب الارض ...عندها لا استطيع سوا الوقوف جانباَ واختلاس النظر والتجسس للاحاديث السرية بين الارض وجدتي ..رومانسية الفلاحة الفلسطينية الإبنة ...الزوجة ...الام ...الاخت ...العمة ...الخالة... والانثى ... وذلك الانسان التي تتجانس حبات التراب بقطرات العرق المتساقطة من جبينها لتشكل لنا اجيالاً من التضحية خلفتها عطائها وصمودها ...
جدتي ذات ال ٨٦ ربيعاً , حيث بدأت علاقتها بالارض في سن السادسة او لثامنة وبعدها كان لهما عهد بعدم الافتراق ...
فهي تنتظر الوعد بان يتحقق باتحادهما واندماجهما سويتاً جسداهما وروحمها ا ذات يوم..
- بنات اليوم بعرفو شو قيمة الارض ؟!... الارض هي العرض قديش العرض غالي بس الارض اغلى . الارض فلسطينية عربية ما بفرط فيها ولا بتساوم عليها ليوم لقيامة .. لو حكومة اسرائيل كلها تيجي لهون بتقدرش اطلعني منها هي وجيشها لاني انا صاحبة الارض والحق ....وما ببدلها بجبال ذهب هون خلقت وهون بموت وهون بندفن ...
- بعد بدكم تسمعوا كمان ...
- خلص اتصور فيي شو بدك بهل حكي الفاضي ....
- يا ستي بزبطش هيك شو بدي احكي لولادي ... بدي اعرفهم على امي الحقيقية الي ربتني الي خلتني احب هاي الارض .... الي اعطتني اغلى شي الي مش ممكن اخدو من اي انسان ثاني ... انت موروثي الانساني مش بس الثقافي والوطني ..
- طيب طيب بدل ما اضلك تسال فيي روح اقلعلك اكمن عرق فول احسنلك من لوقوف وحط الكاميرا على جنب ....
..ما فيني احكي كمان لانو بهاي اللحظة في كثير اشياء جواتي عم تتحرك
رح ضل اصور هدا الانسان والمكان وهاي البلد لحد ما الله يوخد امانتوا ...
بقدرش اقلك غير .... فوَل الفول .... يا ستي الحجة رح اضل احبك ...
حفيدك المحب
وليد حمدان
الجمعة، 2 أبريل 2010
الأربعاء، 3 فبراير 2010
من وحي الصورة ....
رح اكتب بالعامية اليوم او هاي المرة لانها اللغة الي بقدر استوعبها بشكل افضل وهي
بتسمعني فيها كثير منيح منتواصل دايما فيها انا وستي والارض ....
على شان انا بحس باصوات الارض دايما بتنادي علي وبتحكي معي بعرفش
اذا حد مرة سمع صوتها الدافي الهمس تبعها........ يا الله يااااااااااااااه....
الارض هاي المسلوبة المنهوبة الملياني طاقة وامل واكمل منيك محتلينها ومستعمرينها .....
بفكر انو ليش كل العالم عندها وطن وانا لا ليش كل الدنيا مستقرة
وانا لا ليش في حرية وانا لا ليش انا مستعمر محتل.....
مين بعطيهم الحق بسلب ارضي وطني كياني وجودي ذاتي ....
الله...الدين...الناس.. .الامم...كلهم مع بعض ...
بس حتى لو كلهم اعطوهم شرعية باغتصاب الارض وقتل العبد ...
بتذكر لما ماتت ستي كنت يوميتها نايم عند رامي فلسطيني صاحبي بالاردن
كنا هداك اليوم الصبح نصور بمخيم البقعة ولما اجاني الخبر ووصلت بعرفش كيف على الناصري ما لقيت ستي لقيتها صارت رايحة بس كانت روحها عم تستناني لتودعني محمولة برسالة :
"بالتاكيد انك لم تجدني،انا في السماء،ابحث عني جيدا ،سوف تجدني..
بالتأكيد يوما ما سنلتقي يا بني، لكن حذار ان تستسلم وتسلم بنفسك وبارضك ، تسع وخمسون سنة لم ارَ اخوتي وها هي ستون عام ولم ارَ إخوتي،بقيت يتيمهً ستون عاما ، بُني ، مهما طال الظلم سوف يحل العدل، وصحاب الارض هم الي برجعوها "
يعني اذا صاحبة الارض هيك بتوصيني وضميري الانساني هيك كمان بحكيلي
والارض بتنادي علي كل الوقت قادر اسمعها .....
فش حد بمتلك الشرعية انو يقرر عنها حق مصيرها مصيرنا مصيرهم
الي راحو والي هون وغاد والمشتتين ولاجئين .....
والحلو بالقصة انو فش حد جايب سيرتنا .....لا بمعاهدة سلام ولا بوثيقة حقوق انسان ....بفكر انو احنا مش على سلم الاولويات .....تصفينا من 62 سنة ..كلو بدو يزاود علينا ... ويتاجر فينا ...يمكن صرنا قضية من لا قضية له ... ..بعرفش على شو بتفاوضوا بالزبط ...اي دولة واي دولتين واي شعبين...لاجئين..ولا 67 ولا 48 هههه مسخرة ....! مش لاقيين بشو يشتغلو ....شغالين فينا ....!
يمكن بعرفش ... بالتقسيط بحاولو يحكولنا اشي رسالة معينة بس مش زابطة معهم ......بعدني بحاول استوعب شو الي عم بصير بحاول افهم شو الي صار وليش انا هون اليوم بهدا المحل بالذات ....ليش مش قابل اترك هدا المكان ....مع انو الدنيا تغيرت من 62 سنة لليوم .....يمكن لاني بحس بمسؤلية تجاه الانسان الي راح والي جاي ....يمكن..المكان بحمل كثير ذكريات بتربطني ..بعرفش اسئلة صعبة صح ! بعرفش ليش لازم ارضى بالوضع ....انو مفروض علي ارضى ولا اقول لأ ...! وشو الثمن اذا قررت اقول لأ ....! اكيد في ثمن لازم ادفعو ممكن تكون ح..... انو شو هل انسانية الي اجت علي فجأة ....توصلت لمحل اني احكي فيو الحياة هاي هي كذبة كبيرة ....كلو بكذب على كلو ....فش حد بدو يحكي الحقيقة ...!
ومن هون اجت هاي الكلمات الحقيقية الي ما فيها ولا حبة تجميل للواقع او تلطيف للمتحل ، بعرفش اذا في حد انسان يعني محتل ومستعمر وملعون شرفو بتغزل بالاحتلال ، كنت احس الصورة عم بتقاوم عم بتحرر ذاكرتنا منهم/وتحرر نفسنا / انسانا / كيانا / وجودنا / ارضنا .....
لذلك بعرفش اذا هاي قصيدة او شعر او حتى لغة مكسرة المهم الي بعرفو اني بعبر عن حالي بهاي الكلمات والي هي من وحي الصورة .... .
اهداء الى امي الارض - والى روح جدتي التي لم ولن تهدئ قبل ان تتحر حتى اخر ذرة تراب من هذه الارض ...
من وحي الصورة .....
لذلك بعرفش اذا هاي قصيدة او شعر او حتى لغة مكسرة المهم الي بعرفو اني بعبر عن حالي بهاي الكلمات والي هي من وحي الصورة .... .
اهداء الى امي الارض - والى روح جدتي التي لم ولن تهدئ قبل ان تتحر حتى اخر ذرة تراب من هذه الارض ...
من وحي الصورة .....
كيف لا تصبح صوري ألغام
ورصاصا تصب وتصهر ....
على مستعمري هذه الأرض...
و أزهارا لأطفالها الصغار ....
.......................... .....
كيف لا تصبح صوري ألغام
ورصاصا تصب وتصهر ....
على مستعمري هذه الأرض...
و أزهارا لأطفالها الصغار ....
.......................... .....
ونداء الأرض الأرض....
أقول لك يا ارض لبيك .......
يا ارض لبيك لبيك.....
هنا بين بقايا تاريخهم المنقرض....
...تنبت الصخور من جديد ...
من بين جذور أشجارهم.....
... تنبت البيوت والبيدر .....
ورصاصا تصب وتصهر ....
على مستعمري هذه الأرض...
و أزهارا لأطفالها الصغار ....
..........................
كيف لا تصبح صوري ألغام
ورصاصا تصب وتصهر ....
على مستعمري هذه الأرض...
و أزهارا لأطفالها الصغار ....
..........................
ونداء الأرض الأرض....
أقول لك يا ارض لبيك .......
يا ارض لبيك لبيك.....
هنا بين بقايا تاريخهم المنقرض....
...تنبت الصخور من جديد ...
من بين جذور أشجارهم.....
... تنبت البيوت والبيدر .....
.......................... .....
من بين حقول ألغامهم ....
...تنبت حقول قمحنا الأخضر ......
من بين الدم المسفوك من جرائمهم ....
....تسيل دموع الأنهر لتغسل بمائها الطاهر
الأرض وتنقيها من الدنس ...
من بين حقول ألغامهم ....
...تنبت حقول قمحنا الأخضر ......
من بين الدم المسفوك من جرائمهم ....
....تسيل دموع الأنهر لتغسل بمائها الطاهر
الأرض وتنقيها من الدنس ...
فتمحو ذاكرت الأمة صور قد التقطت بعيني غازينها والمتآمرين عليها ....
وتستبدلهم بصور التحرير لربوع بلادنا وقد سقيت بدماء الشهداء...
الأربعاء، 27 يناير 2010
سحر ضوء الشرق....روح دخيلة !
مقدمة قصة ضوئية .....
بعد أن قرّر ذلك الشرقي بأن يذهب ليتعلم فن التصوير الفوتوغرافي في أحد اشهر المدارس الأوروبية الحديثة، بهدف إتقان عملية الرسم بالضوء بجميع تفاصيله الدقيقة وأساليبه الجديدة الاحترافية، وجد نفسه معزولا عن ضوء الشرق الذي ينتمي إليه.
كانت صورهُ شبه مثالية، من حيث تركيبتها تكوينها مواضيعها وجمالياتها الساحرة، لكن كان ينقصها شيء،..شيء ما.... يعيبها ....و تفتقده ، كانت تنقصها روح، اجل روحها الأصلية ، أقصد روح العمل والانتماء.
بقي يصوّر بروح غريبة دخيلةْ، وبقيت صوره شرقية ذات صبغة وروح غربية، كأنه ألبس تلك الصور المعلقة على الحائط لباسًا لا يتناسب مع حاجاتها الضوئية الإنسانية والاجتماعية الشرقية.
كان كل شيء بالنسبة له يُقاس بتلك المعايير الغربية الجمالية، المعايير المستقرة المُنتجة الباحثة عن المثالية الضوئية في كل شيء، متناسيًا عدم استقرار المكان والثقافة والشرق الذي ينتمي إليه.
قد يكون لتنازله عن تلك الروح الشرقية أثر في تلاشي سحر ضوء الشرق واستبداله بآخر غربي..!
مدخل عام :
في بحثنا المستمر لصناعة صورة ضوئية، ذات مقومات تحوي اللغة البصرية بجميع تركيباتها، نجد الكثير من مدارس التصوير الضوئي تبحث عن مثالية الصورة الفوتوغرافية، مستخدمة أحدث التقنيات والمعدات التي وصل إليها التطور التكنولوجي، من حيث جماليات الكادر الموضوعية والتكوينية معًا.
فيما ساهمت هذه المدارس "الكلاسيكية – الوجودية – الوثائقية ذات الطابع الإستشراقي – الطبيعة – الصورة المُخرَجة " في ترسيخ قوانينها وأساليبها الجديدة ذات الرؤية الضوئية الأوروبية الغربية داخل الوعي و اللاوعي لصانع الصورة الضوئية.. ونعي مسبقًا مدى الأثر التي خلفته هذه المدارس والأساليب في بلورة مفهومنا الثقافي الضوئي والإنساني؛ والسعي دوما للوصول إلى صورة فوتوغرافية مثالية غنية، ذات حد أعلى من أدوات ومعدات، بهدف الوصول إلى المستوى المطلوب بحسب معايير ومقاييس هذه المدارس.
متناسين في الوقت ذاته دخولها في مرحلة الإدراك ألتوظيفي والعقلي ، وإعطاء شرعية لمخرجات الصورة التي تتناقض مع طبيعة وثقافة الإنسان والمكان ، من حيث ديموغرافية المكان/ طبيعته / ثقافته / الوضع السياسي القائم / النهج السلوكي الإنساني /استقراره ،الخ....
ومن هذا المنطلق الذي يعتبر بأن الصورة الضوئية هي بمثابة وثيقة تعكس بمدركاتها الميراث الثقافي الفلكلوري والحضاري ، للمكان والإنسان ، أرى أن هنالك حاجة لبلورة وصقل فكر وفلسفة الإنسان المصور بشكل عام والشرق أوسطي بشكل خاص ، وخلق أجندة واضحة تتلاءم مع الطبيعة الثقافية العامة للمكان والإنسان ، تكون مرجعية ومقياس له طوال الوقت ، وإيجاد مساحة له لوضع بصمته الفنية الخاصة ،والتي من خلالها تكون نقطة انطلاق والتقاء بين أجندته في مخرجات صوره و ,الارتقاء إلى لغة ضوئية تحاكي في مضمونها معايير وثقافة المكان .
يتبع ....
الثلاثاء، 26 يناير 2010
الصورة الضوئية بين جزئية الحقيقة و اختزال الواقع !
ما هي الحقيقة ؟... وما هو الواقع ؟... وكيف للحقيقة أن تتحول إلى حقيقة جزئية وليست كاملة ؟!...وهل لعملية إخراج الصورة الضوئية علاقة ب
تحويل الواقع إلى واقع نسبي مختزل؟ .
في هذه المقالة الضوئية التحليلية سيتم تسليط الضوء على عنصرين مهمين: الحقيقة والواقع في حياة الإنسان المصور، في إتباعه أساليب التوثيق متعددة المجالات كالتصوير الوثائقي – Documentary photography ) ( تصوير " توثيق " الحياة الاجتماعية – ) Social documentary photography ( – تصوير " توثيق " الحياة النفسية الاجتماعية (
في هذه المقالة الضوئية التحليلية سيتم تسليط الضوء على عنصرين مهمين: الحقيقة والواقع في حياة الإنسان المصور، في إتباعه أساليب التوثيق متعددة المجالات كالتصوير الوثائقي – Documentary photography ) ( تصوير " توثيق " الحياة الاجتماعية – ) Social documentary photography ( – تصوير " توثيق " الحياة النفسية الاجتماعية (
sycho-social life photography ) الخ....،
وتأثيرها على قراراته في ميادين التصوير المختلفة ، المتعلقة بعملية صناعة الصورة الضوئية / عملية إخراج الصورة ، ومحاولته بلورة وجهة نظره وتفاعله مع الواقع والحقيقة بشكل مجرد محايد أو صناعة صورة ضوئية ذات أفكار مسبقة بين جزئية الحقيقة من
وتأثيرها على قراراته في ميادين التصوير المختلفة ، المتعلقة بعملية صناعة الصورة الضوئية / عملية إخراج الصورة ، ومحاولته بلورة وجهة نظره وتفاعله مع الواقع والحقيقة بشكل مجرد محايد أو صناعة صورة ضوئية ذات أفكار مسبقة بين جزئية الحقيقة من
جهة, وتغييب الواقع الكلي من جهة أخرى, واستبداله بواقع مختزل داخل كوادره الضوئية من شخصيات وأماكن، أحداث وحقب زمنية كاملة من شأنها أن تظهر لنا أجزاء من الحقيقة و نسبية واقعية كم
ا تتراءى للمصور في لحظة ما ؛ مهمشة بذلك الأجزاء الأخرى للحقيقة و الواقع الكلي . لذلك ي
ستحيل على المصور إظهار حقيقة مطلقة وواقع كلي داخل كادر واحد ، إنما هو يأخذ قصة ما لحدث ما م
ن حقبة زمنية معينة, ويحاول أن يظهرها بشكل مسبق ومخرج, وأقصد بعملية الإخراج هي: اختياره لزاوية التصوير, ومبنى الكادر, والفكرة, وترتيب الشخصيات أو الأجسام المستهدفة داخل كادره ,حيث يمكن تغييب شخصية أوإظهار أخرى على حساب الكثير من القصص المتواجد
ة في اللحظة المصورة ذاتها. وهنا يكمن دور المصور في تغيير الواقع والحقيقة معاً في اتخاذ هذه القرارات التقنية والفنية المدعومة بأفكار مسبقة في ميدان التصوير والتي من شأنها أن تخلق واقعاً وحقيقة جديدين مختزلين داخل كادره الضوئي ,مخلداً لتلك اللحظات التي تعبر عنهما معاً .
وفي محاولة لدعم نظريتي الضوئية القائمة على فكرة أن :" الصورة الضوئية بمركباتها الوثائقية تحتوي على حقيقة جزئية وليست كلية كما أنها تحتوي على واقع نسبي وليس واقع مطلق " ،سنستعرض مفهومي الحقيقة والواقع في محاولة
وفي محاولة لدعم نظريتي الضوئية القائمة على فكرة أن :" الصورة الضوئية بمركباتها الوثائقية تحتوي على حقيقة جزئية وليست كلية كما أنها تحتوي على واقع نسبي وليس واقع مطلق " ،سنستعرض مفهومي الحقيقة والواقع في محاولة
للمقاربة بين ما يرمي إليه تعريف كل منهما وبين توجهي النظري الضوئي..
إذا كانت حقيقة الشيء هي خالصة وكنهه وحقيقة الأمر
يقوم هذا النوع من التصوير على فكرة التوثيق لموضوع أو حدث معين, ويندرج تحته الكثير من الأساليب كتوثيق الحياة الاجتماعية والنفسية, وتوثيق الحياة في الشارع, وتوثيق الحروب,الخ,,, وهو يختلف عن غيره من الأساليب الضوئية كونه قائم على فكرة التعامل بشكل مباشر مع الحقيقة والواقع ويضيف بعدا جماليا وإنسانيا مميزا للعمل الضوئي, ويحوي في مكوناته وأبعاده لمسة فنية شاملة لعملية إخراج الصورة, وكيفية نظرة المصور للأمور يعطي عمله بعدا وتوجها فكريا, بعكسه للحالة التي يصور فيها المصور, ويكون لديه القدرة على عكس الواقع بأبعاد شمولية أكثر ،مما يجعله حلقة وصل بين الواقع كواقع وبين الإنسان المشاهد لهذا الواقع من خلال الصورة الضوئية المنتجة, وبالتالي هو يسهل نقل الفكرة الواعية لصورة الحدث التي يختزنها .
حتى نتمكن من فهم الآلية التي تتم بها تجزئة الحقيقة واختزال الواقع, فلا بد لنا من إعطاء فكرة واضحة عن
الشخصية المحورية التي تعد جزءًا هاماً جدًا في تلك التركيبة الضوئية وهي" المصور", فهو صانع الصورة بجميع تفاصيلها ومركباتها الضوئية, كما الرسام الذي يرسم بريشته الضوئية الأفكار التي يؤمن بها أو التي يسعى لإيصالها للغير والأحاسيس التي يعمل على نقلها من إطارها الداخلي المتربع في مكنونات النفس إلى صورة يجسد بها تلك المشاعر ويجعلها ملموسة ومتحسسة, فالمصور هو خليط الضوء والإحساس المرهف الذي ي
أما الموت فهو جزء من الحياة يربط الأرض بالسماء والأفق مفتوح على احتمالات لا نهائية..من جم
الحقيقة والواقع :
إذا كانت حقيقة الشيء هي خالصة وكنهه وحقيقة الأمر
يقين شأنه أي انها الثابت يقيناً وكنهاً؛اذا كانت الحقيقة هي ذلك ,فيمكن لنا أن نرى أنك إذا رأيت جزئية الصورة فأنت ترى حقيقتها التي هي الآن متناهية لك يقيناً بأنها ثابتة وشاهدة على الرؤى التي تجسد الوجود وتختزنه,من حيث أنك الآن تراها وهي الآن حاضرة في اللحظة التي هي اختزال للأفكار بل وللزمن..فكل لحظة قادمة هي انبعاث لعوالم أخرى وأزمنة أخرى وحقائق أخرى.واذا كان الواقع هو الحاصل وأردنا أن نسأل عن تماهيه في الصورة؛فالصورة هي الحدث ؛أي أنها المدرك الذي تتناوله العين والنفس في لحظة ما مما يجعل لها ذلك الأثر الخاص الذي يؤكد أنها حصلت فعلاً لا في ذهن المصور فحسب بل في الزمن لأنها اختزنت زمناً غير متوهم ونقلته إلى غيره سواء أكان ذلك الغير بشراً أم أزمنة أخرى...
بهذا كل صورة هي واقع وكل واقع هو تماهينا مع الخيال واستحضار للحقيقة لأن كل لحظة إنما هي وعينا لها..والأشياء متحركة بتحرك هذا الوعي ومتغيرة بتغيره بالتالي هي إن كانت تجسيداً للواقع فهي تجسيد لواقع متغير متحرك ونسبي لأن الإدراك كذلك وهنا أسأل ما الحد الفاصل بين الأشياء؟أهو وعينا؟وما الثابت اذا كان الإدراك كله متحرك نحو إدراك آخر؟وما الصورة إذا كانت جزءاً من هذا كله أليست تكثيفاً لحركة الواقع في لحظة خطفت من الزمن ورآها مصور؟
سأتطرق بذلك إلى رؤية المصور في تحويله للحقيقة المطلقة إلى حقيقة جزئية وللواقع المطلق إلى واقع مختزل بصورة واحدة ،من خلال الخروج عن سياق الواقع بخلق واقع جديد داخل الكادر الضوئي بتركيبه بكافه الأفكار التي يحملها بتوجهه الفكري واختزالها بفكرة واحدة بما تشمله من مكوناتها التكنيكية والفنية ؛ لعكس الوضع العام الذي تعبر عنه كما ينطبع في فكر المصور ،فانعكاس رؤية المصور للحظة الت
بهذا كل صورة هي واقع وكل واقع هو تماهينا مع الخيال واستحضار للحقيقة لأن كل لحظة إنما هي وعينا لها..والأشياء متحركة بتحرك هذا الوعي ومتغيرة بتغيره بالتالي هي إن كانت تجسيداً للواقع فهي تجسيد لواقع متغير متحرك ونسبي لأن الإدراك كذلك وهنا أسأل ما الحد الفاصل بين الأشياء؟أهو وعينا؟وما الثابت اذا كان الإدراك كله متحرك نحو إدراك آخر؟وما الصورة إذا كانت جزءاً من هذا كله أليست تكثيفاً لحركة الواقع في لحظة خطفت من الزمن ورآها مصور؟
سأتطرق بذلك إلى رؤية المصور في تحويله للحقيقة المطلقة إلى حقيقة جزئية وللواقع المطلق إلى واقع مختزل بصورة واحدة ،من خلال الخروج عن سياق الواقع بخلق واقع جديد داخل الكادر الضوئي بتركيبه بكافه الأفكار التي يحملها بتوجهه الفكري واختزالها بفكرة واحدة بما تشمله من مكوناتها التكنيكية والفنية ؛ لعكس الوضع العام الذي تعبر عنه كما ينطبع في فكر المصور ،فانعكاس رؤية المصور للحظة الت
ي يصور فيها هي جزء من الحقيقة، وبتوظيفه للفكرة التي يحملها بتوجهه عند قيامه بعملية التصوير، هو ما ينتج حقيقة جزئية لأنه يرى في الصورة التي تخدم فكرته حقيقة كاملة ، في حين أنها قد لا تكون الصورة الفعلية المتواجدة في الواقع.
التصوير الوثائقي :
يقوم هذا النوع من التصوير على فكرة التوثيق لموضوع أو حدث معين, ويندرج تحته الكثير من الأساليب كتوثيق الحياة الاجتماعية والنفسية, وتوثيق الحياة في الشارع, وتوثيق الحروب,الخ,,, وهو يختلف عن غيره من الأساليب الضوئية كونه قائم على فكرة التعامل بشكل مباشر مع الحقيقة والواقع ويضيف بعدا جماليا وإنسانيا مميزا للعمل الضوئي, ويحوي في مكوناته وأبعاده لمسة فنية شاملة لعملية إخراج الصورة, وكيفية نظرة المصور للأمور يعطي عمله بعدا وتوجها فكريا, بعكسه للحالة التي يصور فيها المصور, ويكون لديه القدرة على عكس الواقع بأبعاد شمولية أكثر ،مما يجعله حلقة وصل بين الواقع كواقع وبين الإنسان المشاهد لهذا الواقع من خلال الصورة الضوئية المنتجة, وبالتالي هو يسهل نقل الفكرة الواعية لصورة الحدث التي يختزنها .
الصورة الضوئية بين جزئيةالحقيقة
واختزال الواقع:
حتى نتمكن من فهم الآلية التي تتم بها تجزئة الحقيقة واختزال الواقع, فلا بد لنا من إعطاء فكرة واضحة عن
الشخصية المحورية التي تعد جزءًا هاماً جدًا في تلك التركيبة الضوئية وهي" المصور", فهو صانع الصورة بجميع تفاصيلها ومركباتها الضوئية, كما الرسام الذي يرسم بريشته الضوئية الأفكار التي يؤمن بها أو التي يسعى لإيصالها للغير والأحاسيس التي يعمل على نقلها من إطارها الداخلي المتربع في مكنونات النفس إلى صورة يجسد بها تلك المشاعر ويجعلها ملموسة ومتحسسة, فالمصور هو خليط الضوء والإحساس المرهف الذي ي
جسد لوحاته بريشته الضوئية( آلة التصوير) فهي الوسيط الذي يربط المصور بما يحمله من أحاسيس وأفكار مع واقعه.
وإذا ما أردنا تقييم المصور الجيد, فهو مستبصر جيد يرى نواحٍ وأموراً لا يستطيع الإنسان العادي رؤيتها بعينه المجردة, فهو يرى ببصيرته لا بعينيه, فالزاوية التي يرى من خلالها الأمور مختلفة, وبالتالي فإن طريقة تفكيره ستختلف, فهو حتمًا خلاق للضوء ،الإحساس والفكر, ومتقن للغة الضوء من خلال استخدامه أدواته على نحوٍ سريع وخاطف؛ ليتمكن من التقاط اللحظات فيسترقها من واقعها إلى واقعه الضوئي, بحيث أن نقطة انطلاقه تكمن في كيفية رؤيت
وإذا ما أردنا تقييم المصور الجيد, فهو مستبصر جيد يرى نواحٍ وأموراً لا يستطيع الإنسان العادي رؤيتها بعينه المجردة, فهو يرى ببصيرته لا بعينيه, فالزاوية التي يرى من خلالها الأمور مختلفة, وبالتالي فإن طريقة تفكيره ستختلف, فهو حتمًا خلاق للضوء ،الإحساس والفكر, ومتقن للغة الضوء من خلال استخدامه أدواته على نحوٍ سريع وخاطف؛ ليتمكن من التقاط اللحظات فيسترقها من واقعها إلى واقعه الضوئي, بحيث أن نقطة انطلاقه تكمن في كيفية رؤيت
ه للوجود من حوله, وبالاستناد إلى أساليب التصوير الوثائقي فإن المصور العامل في هذا المجال من التصوير يعتمد على ثقافة النظر خاصته من خلال توظيفها لاستبصار ورؤية الأشياء داخل ميدان التصوير (مكان \ حدث \ الثقافة), ليتمكن من الوصول لأقرب نقطة للحقيقة, فبامتلاكه لوجهة نظر وتوجه فكري, هو يعمل فعليًا على دعمها من خلال وضع لمساته الخاصة التي تعطي عمله الضوئي خصوصية تميزه عن غيره من الأعمال ومن العاملين في هذا الميدان, وبرغم محاولته النظر بشكل محايد للعمل إلا أنه لا يستطيع الوصول للواقع بشكل كلي متكامل وبحت, فهو لا يلمس الواقع إنما يلمس أقرب نقطة مدركة تؤدي إليه ،وهذا ما يجعل الواقع مختزلاً في عمله الضوئي.
وبالحديث عن البعد الاجتماعي الثقافي للمصور الوثائقي فإن" الإنسان المصور في تركيبته الإنسانية يتفاعل مع مكونات البنية الثقافية للمكان وللبيئة المحيطة بالجسم المستهدف, الأمر الذي يشكل تناغمًا في الأسس التي ترتكز عليها القاعدة الذهبية الضوئية, والتي تعكس
نفسها في خصائص الثقافة التي يتم تجسيدها في العمل الضوئي, مما يعطي البعد الاجتماعي الثقافي الديناميكية التي تسمح بإعطاء المصور المساحة الكافية للتعامل بمرونة مع الثقافات الأخرى في صناعته للصورة الضوئية في ميادين التصوير المختلفة, ويمحور النهج السلوكي للمصور باعتماده على قيمه الثقافية, واستناده إلى أساليبه الضوئية:( التوثيق- تصوير الحياة في الشارع- البور تريه" ( وليد حمدان
, من خلف العدسة خفايا ضوئية.2009)
سنستعرض بعض العينات الضوئية الحية لأحداث وأساليب تعكس حقائق ووقائع
سنستعرض بعض العينات الضوئية الحية لأحداث وأساليب تعكس حقائق ووقائع
، وكيفية مساهمة عملية صناعة الصورة الضوئية ،في نقل الفكرة الواعية والشمولية لصورة الحدث التي يختزنها ،مسلطين الضوء على الجوانب الضوئية من عملية إخراج الصورة وكيفية تأثير وتأثر قرارات المصور بداخل الحدث" ميدان التصوير " من ردة فعل أو سلوك ما وانعكاسها ببلورة مفهوم جديد لأرض الواقع " عملية إدراكه للحدث " من وجهة نظره،ومعاودته لقراءة الواقع والحقيقة بكافة عناصرهما بمفهوم جديد ،وهو ما ينتج حقيقة جزئية لأنه يرى في الصورة التي تخدم فكرته حقيقة كاملة ،في حين أنها قد لا تكون الصورة الفعلية المتواجدة في الواقع, فالمصور يعرض ما يؤمن به من خلال عرضه للواقع من منظوره الخاص, وبذلك هو عمليا يجزئ الحقيقة ويختزل الواقع لعكس توجهاته وآرائه وليس ما يريده المشاهد.
وعند التقاط المصور لمشهد معين, فهو لا يعكس كل المشهد الملتقط في صورته الضوئية بكل أبعاهدة وجزيئاته المتعددة , إنما يقوم على عرض ترابطية بين أجزاء محددة في الصورة في سعيه لإيصال ولعكس فكرة معينة في إطار منظومته الفكرية, فكرة يؤمن ويراها هو وليست الحقيقة بصورتها الكلية.
كما أن المصور لدى التقاطه لصورة يسعى من خلالها لعكس فكرة معينة هو عملياً لا يخضع لقاعدة معينة لما يصور, وهذا ما قد يجعله يقع في إشكالية تناقض؛ بين ما يعكسه في صورته الملتقطة والتي قد تشكل مستنداً ووثيقة تجسد ذلك الحدث بعين المصور/ وجهة نظر المصو
وعند التقاط المصور لمشهد معين, فهو لا يعكس كل المشهد الملتقط في صورته الضوئية بكل أبعاهدة وجزيئاته المتعددة , إنما يقوم على عرض ترابطية بين أجزاء محددة في الصورة في سعيه لإيصال ولعكس فكرة معينة في إطار منظومته الفكرية, فكرة يؤمن ويراها هو وليست الحقيقة بصورتها الكلية.
كما أن المصور لدى التقاطه لصورة يسعى من خلالها لعكس فكرة معينة هو عملياً لا يخضع لقاعدة معينة لما يصور, وهذا ما قد يجعله يقع في إشكالية تناقض؛ بين ما يعكسه في صورته الملتقطة والتي قد تشكل مستنداً ووثيقة تجسد ذلك الحدث بعين المصور/ وجهة نظر المصو
ر حيث من الممكن أن يتم الاستناد إليها في المستقبل كوثيقة رسمية ؛والتي من شأنها أن تعكس الحدث المصور " الموثق " و تبيين الواقع الكلي والحقيقة الكاملة أو تخلق صورة ضبابية غير واضحة قد لا تفي بغرض استخدامها المستقبلي والنواحي المبنية عليه .
والمصور لدى توجهه لالتقاط صورة فإنه عملياً يسعى لإشباع غريزة المشاهد ونهمه للاطلاع على تفاصيل موضوع معين بحسب الوضع السائد أو القائم, فإذا كان الوضع السائد يعبر بكل أبعاده عن الحرب أو الدمار على سبيل المثال, فليس من ال
طبيعي أن تعكس صورته الضوئية مشهدًا جميلاً في خضم ذاك الإطار العام, لذا فإن العمل على إشباع غريزة المشاهد يكون من خلال جزيئات تعرض في الصورة الضوئية والتي تكون غالباً متجانسة ومنسجمة مع الإطار العام الذي يلف العمل الضوئي ,وهنا الاختزال, هنا تجزئة الحقيقة ضمن اطار يعتمد اللمح لا التصريح ,لتصبح الصورة أشبه بالشعر من هذا الجانب يكفيه ذلك الومض ليشعل النفس طرباً؛كأنه يومي الى الأشياء ويتركك تقرأ النص كما يحلو لك ..هنا تصبح الصورة عالمها الخاص وحقيقتها الخاصة التي لا تبعد عن الحقائق العامة الا كما لو أننا نراها من وراء ستار..ظل لما هو بالتأكيد هناك!
كيف ذلك؟ فلنفهم من خلال عرض هذه النماذج :
كلنا نذكر
الحرب الدامية الأخيرة على قطاع غزة ،وكيف لعبت الصورة دورًا رئيسيًا في تجنيد الرأي العام العالمي وكشف
حجم المعاناة الإنسانية وحجم الدمار الشامل ، الحقيقة والواقع الأليم الذي أل
م بسكان القطاع ، إثر عملية الرصاص المصبوب التي شنتها جيوش الاحتلال الصهيونية على غزة .
وبالنظر لكافة العناصر لهذا الأسلوب التصويري " توثيق أحداث الحروب " "documenting the wars Photography " والمكونات الضوئية لهذه الصورة مستوضحين الجانب الصناعي " عملية إخراج الصورة " لهذا الكادر ، فيعتمد هذا الكادر في الأساس على الفكرة المسبقة والمتحيزة لإبراز الضحية
، وتقسيم مبنى الكادر من حيث بساطة تكوينه وسهولة استيعابه بشكله الدقيق ،وزاويته التصويرية المنخفضة ،ووضعية الشخصية في مقدمة الكادر والبيوت المدمرة في مؤخرتها التي تسيطر على الجزء الأكبر للكادر " أكثر من ثلثي الكادر " فالمبنى بتركيبته يبدأ من الفتاة لإظهار " أهمية الإنسان" وينتقل بنا إلى عمقه مجسداً لنا المكان الذي يعكس "حجم الدمار والمعاناة " ،فالفكرة برمزيتها هدفها بشكل مسبق هو تسليط المصور " الموثق " الضوء على حجم المعاناة الإنسانية والدمار الشامل الذي أحدثته الحرب ،وتجسيده شخصية الفتاة لدور الضحية والبيوت المهدمة
جسدت حجم المعاناة والأضرار الناجمة بالصورة الشمولية لحقيقة الواقع ؛ففي هذا الكادر نرى عملية اختزال المصور للواقع بداخل صورة واحدة ،وتجزئته للحقيقة واضح جدًا فهو قد نقل صورة جزئية ونسبية " قصة الفتاة التي تبحث عن بيت يأويها بعدما دمر بيتها وشرد أفراد آسرتها ن
تيجة الحرب ؛ هذه القصة نسبية وهي نتاج الحرب الجزئي " واقعية وحقيقية من الحقيقة الكاملة والواقع الكلي " مجموعة من آلاف قصص المعاناة الإنسانية نتيجة الحرب التي هي حقيقة مطلقة وواقع كلي؛ الحرب القتل والدمار المقاومة والاحتلال " .
لهذه الصورة أثر كبير في تجسيد وعكس الكارثة الإنسانية التي ألمت بالسودان،فهي من أكثر الصور في العالم التي
ساهمت في ترسيخ حجم هذه الكارثة ،في العقد التاسع من القرن الماضي ،وينحصر هذا الكادر تحت فئة التوثيق الاجتماعي\النفسي \ الثقافي \ الإنساني\ والكوارث. لقد حاول المصور الأمريكي كيفن كارتر عام 1994 توثيق هذا المشهد من وجهة نظر إنسانية لدى تفاعله مع كافة مكونات الواقع والأزمة الإنسانية؛ يعتمد هذا الكادر الضوئي على قدرة المصور العالية في تجريد المشهد عن مشاعره الشخصية والإنسانية الطبيعية ،فنجد أن الكادر بسيط التكوين ذو مبنى خماسي التقسيم بشكل هندسي متقاطع عالي الدقة ، ومن زاوية تصويرية مائلة إلى العمق البؤروي للكادر من الأسفل إلى الأعلى لتسا
عد في
توجيه عين المشاهد وحصرها بين " الطفل والنسر " لتدعم التكوين المبنى الذي ارتكز على الجهة أطراف كل من الجهة اليمنى واليسرى للكادر بقدر شبه متساوي ، ومن ناحية أخرى هنالك عنصران كفيلان بتجسيد الفكرة بشكل واضح المتمثلة بتناقضاتها " انتظار الموت و موت الانتظار " ، الأرض الجرداء التي ترمز إلى شح موارد الحياة الأساسية الماء والطعام وصراع البقاء بين هذا الطفل الذي لا يتعدى الثالثة من عمره برمزية لدور ضحية " نتاج للكارثة الجماعية الحقيقة المطلقة والواقعالكلي.
" المجاعة وانتظار هذا النسر الذي يتبع الفريسة من مكان إلى أخر حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة وتكون وجبة ليست دسمة تماماً له ، فعملية إخراج الصورة بكافة مكوناتها الضوئية ساهمت في ترويج فكرة عن حجم المعاناة الإنسانية ف
ي فقدان الإنسان كضحية لكارثة المجاعة و تماهي المكان وهي نسبية واقعية كجزء من الكثير من قصص المعاناة التي تعصف بهذه المنطقة على الصعيدين الإنساني الإنسا
ني \ والإنساني الاجتماعي ، ومن هنا نرى أن العملية الإخراجية المسبقة ساهمت في اختزال الواقع كونها اختيارية ونقل فكرة شمولية نسبية بشكلها الجزئي داخل هذا الكادر ،ومن الجدير ذكره أن المصور الأمريكي كيفن كارتر أقدم على الانتحار بعد عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهذا يؤكد مدى المعاناة الإنسانية والنفسية التي خلفته رؤية ومعايشة ذلك الواقع في حياة الإنسان المصور ،واتخاذه موقفاً إنسانياً وأخلاقياً حفاظاً على أخلاقية المهنية ،مما أدى إلى نشأة صراع نفسي داخلي لديه كان محوره خلق بديل لذلك الواقع وتغيير الحقيقة ،وعملية جلد الذات بتحمل مسؤولية كبيرة على هذا الوضع القائم وأنه كان مجبراً بشكل حتمي على تغيير حياة الملايين مما دفعه لاحقاً إلى الانتحار .
تفاصيل صغيرة لو نظرت إل
يها كل على حدة لرأيتها وحدة متكاملة بجزئياتها المستدقة,ولو أمعنت النظر قليلاً لتكاثفت مشكلة صورة هي الحياة...طفل في طريقه إلى المدرسة,عطش الصحراء,وفيض المطر؛بقع لونية ترسم الضوء لوحة ليومياتنا الإنسانية وكيف في طريقنا إلى هناك نرى
حقيقة الأشياء من حولنا ..وفي داخلنا.
فلو قرأت المشهد الملتقط في الصورة " طفولة مهمشة " التي تظهر الان "الطفل السائر"لسمعتها تقول:خطوة نحو عالم أفضل!فال
شارع المليء بالنفايات يشكل الخلفية والواقع العام الذي قد يكون مكاناً لا يتخطى العشرة أمتار في زاوية من حي في شارع لمدينة,وقد يكون الحاص
ل في كوكب الأرض! لأننا لو أمعنا النظر في تركيبة هذا الكادر من حيث الزاوية التصويرية والبنيوية وأسلوب التصوير المتبع من قبل المصور " توثيق الحياة في الشارع " لرأينا سردية روائية تشكيلية في هذا الكادر من حيث الفكرة وتطورها و كيف تبدأ الصورة من جدار وتنتهي إن شئنا بجدار من حائط المدرسة فالمزبلة ثم ظهر الطفل والغفلة كلها تعبر أو تعكس واقعاً معاشاً هو تهميش الإنسان ،إلا أن ذلك مرهون بخطوة قد يخطوها إن هو آفاق من
غفلته وانتبه والنظرة في عيني ذلك الطفل والخطوة بين قدميه هي الآتي...التغيير وان ظلّ ضمن الممكن.ولعلنا ببساطة يمكن أن نقول جدار وراء جدار واقع رديئ .. ولكن! فالصورة تأطر بذلك الحاصل في ذلك المكان معممة الراهن والمستقبل في الوقت نفسه,وكذلك مجتزئة ذلك الواقع وتلك الحقيقة من حياة المدينة كلها في لحظة ما.
أما الموت فهو جزء من الحياة يربط الأرض بالسماء والأفق مفتوح على احتمالات لا نهائية..من جم
ود الحجر والعظام إلى انفلات السحاب وهبوب الضوء..تضعنا الصورة " انبعاث آخر " بكافة عناصرها الضوئية ,زاوية تصويرية,بنيوية, جمالية, موضوعية, التو
جه الفكري للمصور المتجانس بأسلوبه التصويري " توثيق حياة البادية " أمام واقع الموت وشظف الصحراء مختزنة اللحظة لزمن قادم لان الموت صورة أخرى من صور الحياة ومع هذا الإطار المتدرج صعوداً كأنما العظام تنظر نحو الأعلى, تكون الحقيقة المجسدة هي الانبعاث.خصوصاً مع توحد لوني الضحية والأرض ووجود اللون الداكن حاداً عند أطرافها وانفراجه مع المدى ...ألم نقل أن الصورة هي اختزال واقع وبعث آخر؟
أما إذا نظرنا إلى عناصر الصورة " مطر مطر " التي يسعى المصور " الموثق إلى إيصالها :الأشياء,الإنسان ,والمطر لرأيناها كأنها تنتظر.أجل الخضار من يشتريها,والسيارات من يركبها,ومستوعبات النفاية من يحسن وضعيتها,والإنسان حلاً لمشكلة الصرف الصحي في مدينته,والمطر ينتظر تربة لينبت فيها عشباً أخضر بعدما خوت المدن اليوم من اللون الأخضر ...حالة ترقب التقطتها عين مصور التي تسعى من خلال هذا الأسلوب " التوثيق " إلى تجسيد وترجمة كافة مركبات الحدث الموثق إلى لغة ضوئية مترابطة المتمثلة بالكادر الملتقط والذي بدوره يعبر عن تماهي الواقع بتفاصيله الظاهرية والمختزلة بأحداثها والحقيقة المتجزئة بباطنيتها من واقع هو في الحقيقة لحظات الشتاء تعزف لحن المطر وتنشدها جوقة القطرات المتساقطة من السماء , قد نرى فيها الشكوى أو الأمل.أليست الحقائق ومضات من وعينا للحياة واكتشافنا لها؟والصورة اجتزاء للحظة في سير هذه الحياة,ونحن عندما نرى هذه الصورة إنما نكون نختزنها ضمن واقعنا الخاص الذي بدوره يتماهى مع المصور ويصير وعيه في تلك اللحظة ,فكأننا إنما نجتزئ التفاصيل ؛تفاصيل الآخرين :عيونهم,آلامهم,ضحكاتهم,موت هم,ثورتهم,لتكون هذه التفاصيل بعد ذلك صورة لحياتنا الخاصة جداً بعدما سافرت من عالمها الخاص ولحظويتها إلى وعينا ,فصارت كأنها الفسيفساء أو قل "البازل"؛تتشابك أطرافها العامة,وتختلط ألوانها فنراها لوحة.
والسؤال ألا يمكننا عندها أن نصنع" البازل" الخاص بنا؟
والسؤال ألا يمكننا عندها أن نصنع" البازل" الخاص بنا؟
من خلف العدسة خفايا ضوئية !
إن ماهية البعد الإنساني الإنساني في حياة الفوتوغرافي، تكتمل في توظيفه كبعد إنساني ضوئي بشكل أساسي؛ حيث يقتصر تعامل صانع الصورة الضوئية مع المواضيع المستهدفة من (إنسان – حيوان – جماد – نبات ) على الأسس الثلاث للقاعدة الذهبية الضوئية: ( مصور - آلة تصوير - الجسم المستهدف ) ، عند احتكاك " معايشة " المصور مع الواقع ( موقع التصوير ) بشكل يتناسب مع الثقافة العامة للمكان والبيئة المحيطة به ، من دون حواجز تفصله عن ذلك الواقع بين المصور من جهة والإنسان المستهدف داخل الكادر من جهة أخرى وآلة التصوير ،كعنصر حيوي ديناميكي متحول ، حيث تعمل من خلال التواصل مع الآخر ، نتيجة انعكاساتها ومحاولتها لترجمة أفكار المصور إلى كلمات ضوئية داخل كوادرها الملتقطة .
والإنسان المصور في تركيبته الإنسانية يتفاعل مع مكونات البنية الثقافية للمكان وللبيئة المحيطة بالجسم المستهدف, الأمر الذي يشكل تناغما في الأسس التي ترتكز عليها القاعدة الذهبية الضوئية, والتي تعكس نفسها في خصائص الثقافة التي يتم تجسيدها في العمل الضوئي, مما يعطي البعد الاجتماعي الثقافي الديناميكية التي تسمح بإعطاء المصور المساحة الكافية للتعامل بمرونة مع الثقافات الأخرى في صناعته للصورة الضوئية في ميادين التصوير المختلفة, ويمحور النهج السلوكي للمصور باعتماده على قيمه الثقافية, واستناده إلى أساليبه الضوئية:( التوثيق- تصوير الحياة في الشارع- البورتريه), الأمر الذي يعكس البعد الاجتماعي الضوئي
في محورين :
أولا العصبية الإثنية : والتي تتمثل في تعصب المصور لثقافته واعتبارها مرجعية ومنهجية تمنهج سير
العمل الضوئي في التعامل مع الثقافات الأخرى ،الأمر الذي يؤدي إلى تهميش الإنسان, و خلق كوادر غير حقيقية ومصطنعة بألوانها : إنسانها وموضعها ، جمالياتها وتكوينها ، وبتكامل تلك المخرجات وتفاعلها قد تؤدي إلى إنتاج صور ضوئية تبدو للوهلة الأولى عمل فني متميز ، لكنها تفتقد إلى جماليات الصورة الضوئية وبالتالي ’تشرذم الهوية الثقافية الضوئية للصورة الملتقطة .
ثانياً : النسبية الثقافية : وهي أن يشكل المصور الضوئي معالم وهوية الصورة الضوئية بعيدا عن العواطف الغرائزية, والمؤثرات البصرية الزائفة والزائلة، والتواصل مع المكان بكل ما يتعلق بإنسانه وميراثه الثقافي ، من منظور الثقافة التي يعكسها في صورته الضوئية ، مما يبلور صورة ضوئية ذات هوية فوتوغرافية تحوي مقوماتها اللغوية الجمالية الموضوعية والتكوينية معا، وهذا ما يجعل البعد الثقافي الاجتماعي الضوئي أقرب إلى الواقع, ويعكس نفسه من خلال الجزيئات المكونة لتركيبة الصورة الضوئية.
وتبقى بصمة فن صناعة الصورة الفوتوغرافية في سيرورة المجتمعات الإنسانية المعاصرة ،رائدة ومنفردة في نقل وتوثيق وقائع النهج السلوكي للإنسان في بنيته الاجتماعية بمختلف الفترات الزمنية المواكبة للحداثة كاستراتيجية لها أساليبها والياتها في بحثها المستمر عن الأبعاد الكامنة في تركيبة الثقافات التي تتجسد ملامحها وخصائصها في هيكلية الصورة الضوئية, والتي تعبر عن مكنوناتها من خلف العدسة لتبقي الحاضر الغائب للخفايا الضوئية .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)